الغربة تنفرد بلقاء رائع مع سفير لبنان في كوبا الاستاذ روبير نعوم
لهذا الحديث حكاية شيقة، فبينما كنت أتواصل عبر الفايس بوك مع سعادة سفير لبنان في كوبا الاستاذ روبير نعّوم، سألته بطريق الصدفة عن الجالية اللبنانية هناك، فجاءني منه جواب أكاديمي مفصل، أذهلني لغرابة وصدق معلوماته، وبدون أي تردد سألته: هل تسمح لي بلقاء مفصل با سعادة السفير، أقدر من خلاله أن أسلط الضوء على جالية لبنانية غارقة في القدم، فكان جوابه: تفضل، أنا جاهز.
وبينما كنت أتلقى أجوبته، قلت في سري: يا الهي هل أحاور سفيراً أم أديباً كبيراً.. فهنيئاً للجالية اللبنانية الكوبية به. واليكم الحديث:
طاقم موظفي سفارة لبنان في هافانا وعائلاتهم ـ 22/11/2014 |
قبل أن ابدأ الإجابة، أود ان أوجه تحية محبة الى جاليتنا في "نيو ساوث ويلز" والى مؤسساتها كافة، خصوصاً الاعلامية وبالاخص مؤسسة "الغربة" الغراء وعلى رأسها الاستاذ شربل بعيني، لك مني كل تقدير وإحترام.
ثم بالنسبة للجواب، عندما أبلغت بقرار جانب مجلس الوزراء القاضي بتعييني سفيراً للبنان لدى كوبا، وكما تعلم إستاذ شربل إنها أول دولة أخدم فيها بصفة سفير، وسفيراً للوطن الرسالة، إن أول ما قمت به كان الدعاء أن يلهمني الرب لإنجاز مهمتي الوطنية هذه على أكمل وجه وقدر المستطاع . ومن جهة ثانية، إن لكوبا وضع خاص على صعيد السياسة الدولية، إضافة الى ما تتمتع به من صفات مميزة لجهة الثورة بقيادة الزعيم فيديل كاسترو، الذي واجه سياسياً من خلال الثورة جارته الولايات المتحدة الاميركية ( المسافة البحرية بينهما 90 ميلاً فقط ) طيلة 57 سنة. هذا الأمر كوّن لدي إنطباعاً شيقاً وحماساً كبيراً، إستعداداً لما ينتظرني .
الاجتماع الاول مع بعض الرسامين المتحدرين في السفارة ، 10/7/2013 . |
شعوري دائما هو ذاته عندما أدخل أي بعثة لبنانية، سواء سفارة أو قنصلية ، شعور إعتزاز بتمثيل "بلاد أرز الرب " وشعور جهوزية تامة وفرح داخلي لخدمة وطني وإخوتي .
السبت 22/6/2013، أول لقاء في دار سكن السفارة في هافانا لأبناء الجالية ( يبدو البروفسور أوهينيو سلمان، الطبيب الخاص للقائد فيديل كاسترو جالساً الى أقصى اليسار) |
للأسف الشديد، إن غالبية جاليتنا في كوبا التي يقدّر عددها بحوالي 30 ألف شخص، ليس لديها قيود لا في السجل الاساسي للسفارة ولا في سجلات دوائر النفوس في لبنان .علماً أن عددها تجاوز الـ 75 الفاً قبيل الثورة، وأن أول لبناني وصل الى كوبا سنة 1870 ويدعى : هوسيه ( يوسف) جبور. أما بالنسبة للمناطق التي جاء منها أبناء الجالية فهي : قرى وبلدات ساحل كسروان، بلاد جبيل، محافظة الشمال وخصوصاً قضاءي البترون والكورة. بعد إنتصار الثورة الشيوعية أول سنة 1959، غادر الكثيرون الى بعض الدول المجاورة : الولايات المتحدة، المكسيك، والى دول أميركا اللاتينية، كما أن قسماً منهم عاد الى لبنان. ونرى في بعض الكتب والمؤلفات صوراً لأبناء الجالية ـ حتى بعد الثورة ـ خلال لقاءاتهم في الاندية الاغترابية، يدل مظهرهم فيها أنهم كانوا من الميسورين...
أبرز أسباب المغادرة، كانت التدابير المتعلقة بالملكية الفردية وفقاً لمبادىء الثورة الشيوعية، من جهة، ومن جهة أخرى القوانين المرعية الاجراء التي لا تسمح بإزدواجية الجنسية، ما حال دون تسجيل وقوعات الأحوال الشخصية لهؤلاء المتحدرين في سجلات النفوس اللبنانية. أما القسم الصغير نسبياً من الجالية الذي بقي في الجزيرة، إما لأنهم غير قادرين على الذهاب الى بلد آخر، سواء مادياً أو لعدم وجود أقرباء أو معارف لهم، وإما لأن أولادهم يتابعون دراستهم في مدارس أو جامعات كوبا .
صورة من زيارة الوزير باسيل في 20/2/2015، خلال حفل العشاء الذي أقمته |
تتواجد الجالية في غالبية ولايات الجزيرة ( وعددها 12 ولاية )، وبكثافة خصوصاً في هافانا وولايتي سانتياغو دو كوبا ( وهي العاصمة الأولى لكوبا) وأولغين ( تقعان في شرق الجزيرة)، كما في ضواحي كبرى مدن الولايات .
5 ـ هل توجد هجرة لبنانية حديثة الى كوبا أم أن الجالية غارقة في القدم ؟
كما سبق وأشرت، بدأت الهجرة سنة 1870 وإزدادت كما العادة، خصوصاً بعد كلتا الحربين العالميتين، وبلغت الذروة قبيل الثورة الكوبية؛ عندها بدأت الهجرة المعاكسة، وبالنتيجة لا توجد هجرة لبنانية حديثة، والاوضاع الاقتصادية للمتحدرين صعبة مع أن غالبيتهم لديهم حقوق إرثية في وطنهم الأول، ومسائلهم العائلية معقدة لجهة القوانين المدنية التي إعتقدوا أنهم إستفادوا منها والتي تبيّن أنها تتعارض مع القوانين الدينية المرعية الاجراء في مسائل الاحوال الشخصية اللبنانية .
6 ـ هل ما زال اللبنانيون متمسكين بلغتهم الأم وتقاليدهم اللبنانية ؟
على هذا الصعيد، لاحظنا تراجعاً في مشاعر الجيل الثاني وما تلاه، كما حيال أصله وجذوره وهم يتكلمون الاسبانية فقط، مقارنة مع الجيل الأول الذي يبرهن قولاً وفعلا عن تمسكه بأصله اللبناني، على الرغم من إندماجه في المجتمع الكوبي .
7 ـ كيف وجدتهم من الناحية الاجتماعية، هل هم من أصحاب المال والقرار أم أنهم لا يتعاطون السياسة ؟
من الناحية الاجتماعية، وبتوجيه من الحكومة الكوبية جرى أواخر السبعينات من القرن الماضي دمج الجمعيات اللبنانية والسورية والفلسطينية في ما سمّي " الاتحاد العربي في كوبا" ويتبع وزارة العدل ، وبالتالي لم يعد للجالية اللبنانية مؤسسات ثقافية وإجتماعية تمثلها، على الرغم من أنها تشكل 90 % من الوجود العربي في هذا البلد. وبالتأكيد لا وجود في النظام الكوبي لـ " أصحاب أموال ونفوذ " ...
وبإعتزاز أشير الى أن المتحدرين اللبنانيين هنا تركوا بصمات لا تمحى في مختلف مجالات الحياة الوطنية والاجتماعية والثقافية والعلمية، سواء بمشاركة العديدين منهم في معارك التحرير ( 1895 ـ 1898 ) من الاستعمار الاسباني، مروراً بانجازاتهم في مختلف مجالات الصحة والطب والابحاث الطبية ـ يكفي أن نذكر مثلاً "معهد بيدرو خوري للأمراض الاستوائية" ( إبن حدشيت)، الذي يعتبر أهم مؤسس لمعهد علمي في أميركا اللاتينية، كما نذكر الطبيب الخاص للقائد فيديل كاسترو البروفسور أوهينيو سلمان ( من راسمسقا ـ الكورة ) ـ وكذلك في المهن الحرة والثقافة والموسيقى والفلسفة والفنون التشكيلية .
صورة مذبح مار مارون في كنيسة "مار جوداس تاديو ومار نيقولاس دوباري" في وسط هافانا التي زرتها في 21/8/2013 |
8 ـ هل عندهم دور للعبادة أو مدارس أو ما شابه ؟
يستدل بوضوح مما تقدم عدم وجود دور للعبادة أو مدارس أو وسائل إعلام لأبناء الجالية. وعلى الرغم من ذلك، أشير الى وجود مذبح لمار مارون في إحدى أقدم كنائس هافانا، قرأت عنه بعيد وصولي وقمت بزيارته فوراً، وقد أدرجته على برنامج الزيارة الرسمية التي قام بها معالي وزير الخارجية والمغتربين المهندس جبران باسيل الى كوبا يومي 20 و21/2/2015، في خطوة تركت أثراً طيباً في نفوس المتحدرين.
( * قبل الثورة، كان يقوم كاهن مقيم بالاحتفال بالذبيحة الآلهية أيام الآحاد والاعياد، بتكليف من بكركي ) .
9 ـ حكومة كوبا لا تسمح بتعدد الجنسيات أي أن اللبناني متى تخلى عن جنسيته لا يسمح له بإسترجاعها. كيف سيكون موقفك كسفير للبنان من هذا الأمر ؟
بعد يومين فقط من تقديمي "أوراق الاعتماد" يوم الخميس 20/6/2013 كسفير فوق العادة مطلق الصلاحية للجمهورية اللبنانية لدى جمهورية كوبا، قمت بدعوة المتحدرين الى لقاء في دار السكن يوم السبت 22/6/2013، شارك فيه أكثر من 50 شخصاً، حيث جرى التعارف، وعرضت خطوات العمل التي سبق وبدأت تحضيرها فور تعييني، وتتطلب التعاون بين الجالية والسفارة وتضافر الجهود لعقد لقاءات دورية وتنظيم نشاطات متنوعة وفقاً لمهاراتهم المتعددة، وتشجيعهم خصوصاً على القيام بالتسجيل في البعثة وقيد وقوعات أحوالهم الشخصية. وقد نظمنا لغاية الآن أكثر من 200 ملف عائلي إستناداً الى ما في
حوزتهم من صور مستندات قديمة ومعلومات، نعمل على إستبدالها وإستكمالها بالوثائق والمستندات الحديثة، سواء التي تطلبها السفارة مباشرة من المديرية العامة للاحوال الشخصية أو التي يمكن تأمينها عن طريق الأقارب في لبنان .وما نقوم به على هذا الصعيد، يستند الى وعد لنا من المسؤولين في وزارة العلاقات الخارجية الكوبية بالتساهل بالأمر، على أن يجري بهدوء وروية وبدون أي ضجيج وطبل وزمر، حتى لا يطبق علينا القول : "أسمع جعجعة ولا أرى طحناً"، وفهمكم كفاية ... .
الخميس 20/6/2013، تقديم "أوراق إعتمادي" الى نائبة رئيس الجمهورية السيدة غلاديس م. بيهيرانو بورتيلا بحضور وزير العلاقات الخارجية السيد برونو رودريغيس بارييا. |
حفل توقيع الاتفاق بين غرفتي التجارة في بيروت وكوبا، 4/6/2015 |
مع وزير التجارة الخارجية ووفد مجلس رجال الاعمال اللبناني الكوبي، 8/6/2015 |
بالتأكيد أنا بغاية الشوق للقاء أهلي في سدني : أخوات وإخوة، صديقات وأصدقاء. يقول المثل : "عاشر القوم 40 يوم، أو تصير منهم أو ترحل عنهم"، في حين أنني أمضيت 8 سنوات بينكم ومعكم ( 2004 ـ 2012 )، فكم 40 يوم تحتوي هذه السنوات ؟؟؟ أكثر من ذلك، سبق لرئيس جمعية بطل لبنان الزغرتاوية الأسبق، صديقي وأخي المرحوم سركيس المقسيسة، أن اعلنني ومن صالون كنيسة سيدة لبنان ـ هاريس بارك : "مواطناً زغرتاوياً "، وكلنا يعلم أن جمعية زغرتا الحبيبة جمعت وتجمع شمل العائلة الواحدة الموحدة بشكل نموذجي، والتي نحن أحوج ما نكون اليه في الظروف الدقيقة التي يعيشها وطننا المفدّى، كما في الخارج كذلك في لبنان .
وحتى يكون ختامها مسك :
بكل صدق وفخر، أعلن إعتزازي بالاكثرية الساحقة من أبناء الجالية اللبنانية في سدني ( نيو ساوث ويلز )، إنهم في القلب والبال دائماً وأبداً وحيثما أكون. حتماً ان السيكار الكوبي لن ينسيني الكنغورو والكوالا، خصوصاً أنني متوقف عن التدخين منذ 1987 ، والحمد لله .
الرجاء قراءة التعليقات تحت اللقاء
3 comments:
إرسال تعليق