سركيس كرم: لبنان يتجه نحو الفدرالية غير المعلنة

سركيس كرم الأديب المهجري المعروف تستضيفه مجلة "لقاء" التابعة لموقع "الغربة" لتأخذ منه حديثاً جريئاً ومعلومات طالما حجبها عن أعين القراء. حديثنا المكتوب هذا سيضاف الى لقاءاتنا التلفزيونية العديدة معه، لنسلط الأضواء على جوانب كثيرة من رحلته مع الكلمة والغربة:
أجرى اللقاء شربل بعيني

ـ أستاذ سركيس، هل لك أن تخبرنا متى وصلت الى أستراليا، وما هي الصعوبات التي واجهتك كمغترب؟
- وصلت الى استراليا في الثاني من شهر شباط 1977 بعدما أمضينا مع والدتي وشقيقي وشقيقاتي أربعة أشهر في قبرص للحصول على تأشيرة السفر الى استراليا، وهذه مدة طويلة اذا أخذنا في الأعتبار ان والدي كان في استراليا منذ سنوات. لم أواجه صعوبة في التأقلم مع الحياة في هذه البلاد الجميلة المضيافة لا سيما وأنني عملت على تلقين نفسي اللغة الانكليزية بسرعة مما ساعدني على التكيف مع المجتمع الجديد. استراليا هي من أعظم بلدان العالم كما ان حكوماتها عملت وتعمل على جعل المواطن الجديد يتمتع بحقوقه كاملة مثله مثل سائر المواطنين و تحثه بالتالي على الإلتزام بواجباته . فألف شكر لأستراليا حكومة وشعبا.

ـ أنت ابن منطقة يتحكّم بها الاقطاع السياسي، هل أثّر هذا على كتاباتك، ولماذا؟
- لا أوافقك القول "انني ابن منطقة يتحكم فيها الاقطاع السياسي" لأنني ولا للحظة شعرت بوجود هكذا "اقطاع" بوجهه السلبي. لقد شاركت كعضو ناشط في احزاب وتيارات لبنانية تدعّي التغيير الى ان وجدت انها فعلا تمارس أسوأ انواع القمع الفكري ولا تتقبل الرأي الحر خارج اطار الفولكلور ورفع الشعارات. وبعد تجربة طويلة مع الاحزاب والتجمعات أثبتت الأيام ان كافة الأحزاب اللبنانية تشبه العائلات السياسية، لا بل تتفوق عليها بالتسلط والممارسات الإلغائية. لقد أعطت "منطفتي" مئات الكتاب والأدباء والمفكرين كما أغنت اقلامهم بالعنفوان وعزة النفس والجرأة في التعبير. من هذا المنطلق أؤيد كلام النائب سليمان فرنجية حين قال ان " الاقطاع هو تصرف واداء ..والافعال هي من تكرس من هو اقطاعي ومن هو ليس اقطاعيا."

ـ نراك ابتعدت عن نشر المقالات والكتب، هل من سبب لذلك؟
- ابتعدت عن الكتابة في الفترة الأخيرة بسبب ما تشهده الساحة "الفكرية" من خلافات بين أهل الثقافة وعندما يتبنى "المثقفون" عقلية الإلغاء تفقد الساحة الفكرية رونقها لتمسي ضحية التناحر والأنانية البعيدة كل البعد عن الأدب والثقافة. هنا أعود وأردد السؤال " أهي المعرفة أو إنعدامها التي تدفع بعض "الكتاب" في جاليتنا الى السعي المزمن لمحاولة إلغاء الغير، وكأن الوصول الى القمة (التي تتسع للعديد من الطاقات) لا يحتاج إلى موهبة وفكر خلاق، بل الى تحريض وتجريح وبث اشاعات وافتراءات..!".

ـ أخبرنا شيئاً عن الكتب التي نشرتها، وهل من شيء نشرته وندمت عليه؟
- أنني من الناس الذين يتقبلون النقد ويعملون على تطوير قدراتهم اللغوية والكتابية ولذلك تقبلت ملاحظات الادباء شربل بعيني والأب يوسف جزراوي وانطوان قزي و د. جميل الدويهي وجورج يمين وغيرهم وعلى ضوء تلك الملاحظات لن أخلط مجددا بين اللغة الفصحى والعامية كما فعلت في كتابي "في غربة لا تنتهي". بالنسبة للندم انا نادم على كثير من الأمور التي لم أشنرها وكان يجب ان أفعل في كتاب "تجربتي مع التيار" الذي بدأت الناس تدرك قيمته وأهميته اليوم وخاصة أولئك الذين عملوا بمرحلة ما في التيار الوطني الحر.

ـ لبنان الى أين بمنظار سركيس كرم؟
- لبنان يتجه نحو الفدرالية غير المعلنة ولبنان لن يعود ابداً وللأسف الى ما كان عليه سواء على مستوى النظام السياسي او على مستوى العيش المختلط.

ـ هل فكرت بالعودة النهائية الى مسقط رأسك، أم سرقتك الغربة الى الابد؟
- لبنان دائما في البال وفي الدم وفي حبر القلم لكن العودة النهائية مستحيلة نظرا لوجود اولادي وعيالهم في استراليا. زيارة لبنان لفترات طويلة سنويا هي السبيل الوحيد في المستقبل القريب. اما بالنسبة للغربة، لا أعرف اذا هي سرقتني ام أنقذتني من ذاتي ومن غضبي على من تسبب بتدمير وطني. لقد ساعدتني الغربة على مساندة وطني في العديد من المجالات.

ـ لغتك الانكليزية أقوى من العربية، لماذا لا تنقل مختارات من الأدب الاسترالي الى العربية، او العكس؟
- لست مقتنعا ان الترجمة الأدبية وبشكل خاص ترجمة الشعر تعكس الصورة الصحيحة لما تختزنه الأبيات من افكار ولوحات فكرية. أفضّل الترجمة التاريخية والوثائقية كونها تنقل الوقائع بأمانة ودقة.

ـ نراك تهتم كثيراً بأخبار بطل لبنان يوسف بك كرم، هل ما زالت النزعة العائلية تؤثر بك؟
- عندما باشرت بدراسة كتابات ورسائل بطل لبنان يوسف بك كرم عام 2004 بغية نشر اول كتاب عن سيرته باللغة الانكليزية، اكتشفت في فكره ما لم أعرفه من قبل. فصورة البطل المقاتل كانت تهيمن على شخصيته. اما في الواقع فهو شخصية بمستوى كبار الشخصيات التاريخية العالمية كونه من أهم الذين حملوا لواء الدفاع عن حقوق الانسان و حرية الرأي وكرامة الشعب. يوسف بطرس كرم، هو من حاز على محبة الناس كزعيم وقائد، وعانى من معارضة الزعامات والوجهاء وبعض رجال الدين من أبناء بلده بقدر معاناته من ظلم السلطنة العثمانية ومندوبي الدول الكبرى. ناضل ضد الظلم والتمييز علماً انه من خلفية عائلية صنفّت آنذاك من ضمن خانة العائلات "الأقطاعية"، ومن خلال ذلك حقق الإنقلاب على مفاهيم التمييز الطبقي والاجتماعي والمنهجية التقليدية القائلة ان "الثوار" يخرجون دوماً من رحم  الطبقات الشعبية الوسطى او الفقيرة، فكان ان استبدل وسائل الراحة والرفاهية المتوافرة لديه بصقيع المغاور وعراء صخور لبنان وقساوتها في سبيل قيمه ووطنيته وقضية شعبه.

ـ الفايس بوك أوجدوه للصداقة، وقد وسّخه البعض بالشتائم والتهجمات المسيئة، ما رأيك بذلك؟
- مشكلة الفايسبوك الأساسية تكمن في انعدام الرقابة والمحاسبة لما ينشر حيث يقوم بعض الناس "بسرقة" كتابات وأقاويل وقصائد الغير بغية تسويق أنفسهم ككتاب وشعراء فيما البعض منهم لا يجيد حتى الحد الأدنى من قواعد الكتابة. والمؤسف كذلك ان بعض مستخدمي الفايسبوك يجدون فيه عالمهم الخاص فيذهبون بعيداً في عزل أنفسهم عن عالم الواقع.
ـ هل من كلمة أخيرة لأبناء الجالية؟
- اناشد الجالية وخصوصا من يعملون في المجال الثقافي والاعلامي والفني الإبتعاد عن الصراعات التي تلحق الأذى المعنوي بالجميع وأدعوهم الى السعي لتوفير النموذج الجيد لسائر ابناء المجتمع. فالساحة الفكرية تتسع لكافة العطاءات ولجميع الذين يتمتعون بالموهبة والفكر الخلاق. وفي نهاية المطاف، لن يبقى في ذاكرة الناس وسجلات التاريخ سوى الممتاز والمميز والأصيل.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق